سورة الذاريات - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


{وَفِى أَنفُسِكُمْ} أي وفي أنفسكم آياتٌ إذ ليسَ في العالمِ شيءٌ إلاَّ وفِى الأنفسِ له نظيرٌ يدلُّ دَلالَتُه على ما نفردَ بهِ من الهيئاتِ النَّافعةِ والمناظرِ البهيةِ والتركيباتِ العجيبةِ والتمكنِ من الأفعالِ البديعةِ واستنباطِ الصنائعِ المختلفةِ واستجماعِ الكمالاتِ المتنوعةِ {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} ألا تنظرونَ فلا تبصرونَ بعينِ البصيرةِ.
{وَفِى السماء رِزْقُكُمْ} أيْ أسبابُ رزقُكِم أو تقديرُه وقيلَ: المرادُ بالسماءِ السحبُ وبالرزقِ المطرُ فإنَّه سببُ الأقواتِ {وَمَا تُوعَدُونَ} منَ الثوابِ لأَنَّ الجنةَ في السماءِ السابعةِ أو لأنَّ الأعمالَ وثوابَها مكتوبةٌ مقدرةٌ في السماءِ وقيلَ: إنَّهُ مبتدأ خبرُهُ قولُه تعالَى: {فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ} عَلى أنَّ الضميرَ لَما وأمَّا عَلى الأولِ فإمَّا له وإمّا لَما ذكرَ منْ أمر الآياتِ والرزقِ عَلى أنَّه مستعارٌ لاسمِ الإشارةِ {مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} أيْ كَما أنَّه لا شكَّ لكُم فِي أنكُم تنطقونَ ينبغِي أنْ لا تشكُّوا في حقِّيتهِ ونصبُه عَلى الحاليةِ من المستكنِ في لحقٌّ أو عَلَى أنَّه وصفٌ لمصدر محذوفٍ أيْ إنَّه لحقٌّ حقاً مثلَ نطقكِم وقيلَ: إنَّه مبنيٌّ على الفتحِ لإضافتِه إلى غيرِ متمكنٍ وهُوَ مَا إنْ كانتْ عبارةً عنْ شيءٍ وأن بما في حيزها إن جُعلت زائدة. ومحلُّه الرفعُ على أنه صفةٌ لحقٌّ ويؤيده القراءةُ بالرفع.
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم} تفخيمٌ لشأنِ الحديثِ وتنبيهٌ على أَنَّهُ ليسَ مما علِمهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بغيرِ طريقِ الوحي، والضيفُ في الأصلِ مصدرُ ضافهُ ولذلكَ يطلقُ عَلى الواحدِ والجماعةِ كالزَّورِ والصَّوْم وكانُوا اثني عشرَ ملَكاً وقيلَ تسعةً عاشرُهم جبريلُ وقيلَ ثلاثةٌ جبريلُ وميكائلُ وملكٌ آخرُ معهمَا عليهمْ السَّلامُ وتسميتُهم ضيفاً لأنَّهم كانُوا في صورةِ الضَّيفِ حيثُ أضافَهُم إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ أو لأنهمُ كانوا في حسابِه كذلكَ {المكرمين} أي المكرمينَ عندَ الله تعالَى أو عندَ إبراهيمَ حيثُ خدمَهُم بنفسِه ويزوجتِه {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} ظرفٌ للحديثِ أو لما في الضيفِ منْ مَعْنى الفعلِ أو المكرمينَ إنْ فسَّر بإكرامِ إبراهيمَ {فَقَالُواْ سَلامًا} أي نسلم عليكَ سلاماً {قَالَ} أيْ إبراهيمُ {سلام} أيْ عليكُم سلامٌ، عُدِلَ بهِ إلى الرفعِ بالابتداءِ للقصدِ إلى الثباتِ والدوامِ حتَّى تكونَ تحيتُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أحسنَ منْ تحيتهم وقُرئَا مرفوعينَ وقرئ: {سِلْمٌ} وقرئ منصوباً والمعنى واحدٌ {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} أنكرهُمْ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ للسلامِ الذَّي هو عَلمٌ للإسلامِ أو لأنَّهم ليسُوا ممنْ عهدَهُم منَ النَّاسِ أو لأنَّ أوضاعَهُم وأشكالَهمُ خلافُ ما عليه النَّاسُ ولعلَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إنَّما قالَهُ في نفسهِ من غير أنْ يشعرَهُم بذلكَ لا أنَّه خاطبُهم بهِ جَهْراً أو سألُهم أنْ يعرِّفوُه أنفسَهُم كَما قيلَ وإلاَّ لكشفُوا أحوالَهُم عندَ ذلكَ وَلَمْ يتصدَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لمقدماتِ الضيافةِ.


{فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ} أيْ ذهبَ إليهمْ عَلى خُفيةٍ منْ ضيفِه فإنَّ منْ أدبِ المضيفِ أنْ يبادَرهُ بالقِرى ويبادرَ بهِ حذاراً مِنْ أن يكفَهُ ويعذَرهُ أو يصيرَ مُنتْظراً والفاءُ في قولِه تعالَى: {فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ} فصيحةٌ مفصحةٌ عنْ جُمَلٍ قَدْ حُذفتْ ثقةً بدلالةِ الحالِ عَلَيْها وإيذاناً بكمالِ سرعةِ المجىءِ بالطعامِ كما في قولِه تعالَى: {أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} أيْ فذبحَ عجلاً فحنذَهُ فجاءَ بهِ {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} بأنْ وضعَهُ لديهم حسَبما هُو المعتادُ {قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ} إِنْكاراً لعدمِ تعرضِهم للأكلِ {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ} أضمرَ في نفسِه {خِيفَةً} لتوهمِ أنَّهم جاءُوا للشرِّ وقيلَ وقعَ في قلبِه أنَّهم ملائكةٌ جاءوا للعذابِ {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} قيلَ مسحَ جبريلُ عليهِ السلامُ العجلَ بجناحِه فقامَ يدرُجُ حتَّى لحقَ بأُمِّهِ فعرفَهُم وأمِنَ منهُم {وَبَشَّرُوهُ} وفي سورةِ الصافاتِ وبشرناهُ أيْ بواسطتِهم {بغلام} هو إسحاقُ عليهِ السَّلامُ {عَلِيمٌ} عند بلوغِه واستوائِه {فَأَقْبَلَتِ امرأته} سارةُ لمَّا سمعتْ بشارتَهمُ إلي بيتِها وكانتْ في زاويةٍ تنظرُ إليهمْ {فِى صَرَّةٍ} في صيحةٍ من الصريرِ، ومحلُّه النَّصبُ عَلى الحاليّةِ أو المفعوليةِ إنْ جُعلَ أقبلتْ بمَعْنى أخذتْ كما يقالُ أقبلَ يشتُمنِي {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أيْ لطمتْهُ منَ الحياءِ لما أنَّها وجدتْ حرارةَ دمِ الطمثِ وقيلَ ضربتْ بأطرافِ أصابعِها جبينَها كما يفعلُه المتعجب {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أيْ أنَا عجوزٌ عاقرٌ فكيفَ ألدُ.
{قَالُواْ كَذَلِكِ} مثلَ ذلكَ القولِ الكريمِ {قَالَ رَبُّكِ} وَإنَّما نحنُ معبرونَ نخبركِ بهِ عنْهُ تعالَى لاَ أنَّا نقولُه منْ تلِقاءِ أنفسِنا {إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم} فيكونُ قولُه حقاً وفعلُه متقناً لا محالةَ. رُويَ أنَّ جبريلَ عليهِ السَّلامُ قالَ لهَا انْظُري إلى سقفِ بيتك فنظرتْ فإذَا جذوعُه مورقةٌ مثمرةٌ، ولَمْ تكُنْ هذهِ المفاوضةُ معَ سارةَ فقطْ بلْ معَ إبراهيَم عليهِ السَّلامُ أَيْضاً حسبَما شُرحَ في سورةِ الحِجْر وإنَّما لَمْ يُذكِرْ هَهُنا اكتفاءً بما ذكر هناك كما أنه لم يذكر هناك سارة اكتفاءً بما ذكر ههنا وفي سورةِ هودٍ.


{قَالَ} أيْ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ لَمَّا عِلَم أنَّهم ملائكةٌ أُرسلوا لأمرٍ {فَمَا خَطْبُكُمْ} أيْ شأنُكم الخطيرُ الذَّي لأَجْلِه أرسلتْم سَوى البشارةِ {أَيُّهَا المرسلون * قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} يعنون قومَ لوطٍ {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ} أيْ بعدَ ما قلبنَا قُرَاهُمْ وجعلنَا عاليَها سافلَها حسبَما فُصِّلَ في سائرِ السورِ الكريمةِ {حِجَارَةً مّن طِينٍ} أيْ طينٍ متحجرٍ هُوَ السجيلُ {مُّسَوَّمَةً} مُرسلةً منْ أسمتُ الماشيةَ أيْ أرسلتُها، أو معلمةً منَ السُّومةِ وهيَ العلامةُ وقدْ مَرَّ تفصيلُه في سورةِ هُودٍ {عِندَ رَبّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} المجاوزينَ الحدَّ في الفُجورِ وقولُه تعالَى {فَأَخْرَجْنَا} إلخ حكايةٌ منْ جهتِه تعالَى لِمَا جَرى عَلى قومِ لُوطٍ عليهِ السَّلامُ بطريقِ الإجْمَالِ بعدَ حكايةِ ما جَرَى بينَ الملائكةِ وبينَ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ من الكلامِ والفاءُ فصيحةٌ مفصحةٌ عنْ جُملٍ قدْ حُذفتْ ثقةً بذكرِها في مواضعَ أُخرَ كأنَّه قيلَ فباشرُوا مَا أُمروا بهِ فأخرجنَا بقولِنا فأسرِ بأهلِكَ إلخ {مَن كَانَ فِيهَا} أيْ في قُرى قومِ لُوطٍ وإضمارُهَا بغيرِ ذكرٍ لشهرتِها {مِنَ المؤمنين} ممنْ أمنَ بلوطٍ {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ} أيْ غيرَ أهْلِ بيتٍ {مِنَ المسلمين} قيلَ هُم لوطٌ وابنتاهُ وقيلَ كانَ لوطٌ وأهلُ بيتِه الذينَ نجَوا ثلاثةَ عشرَ {وَتَرَكْنَا فِيهَا} أيْ في القريةِ {ءايَةً} أيْ علامةً دالةً على ما أصابهُم من العذابِ قيلَ هيَ تلكَ الأحجارُ أوْ صخرٌ منضودٌ فيهَا أَوْ ماءٌ منتنٌ {لّلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الأليم} أيْ مِنْ شأنِهم أنْ يخافُوه لسلامةِ فطرتِهم ورقةِ قلوبِهم دونَ مَنْ عَداهُم منْ ذَوي القلوبِ القاسيةِ فإنَّهم لا يعتدونَ بَها وَلاَ يعدونها آيةً {وَفِى موسى} عطفٌ عَلى قولِه تعالَى وفي الأرضِ أو عَلى قولِه تعالَى وتركنَا فيهَا آيةً عَلى مَعْنى وجعلنَا في مُوسى آيةً كقولِ منْ قالَ:
علفتُها تبناً وماءً بارداً ***
{إِذْ أرسلناه} قيلَ هُو منصوبٌ بآيةً وَقيلَ بمحذوفٍ أيْ كائنةً وقتَ إرسالِنا وقيلَ بترَكْنا {إلى فِرْعَوْنَ بسلطان مُّبِينٍ} هُو ما ظهرَ عَلى يديهِ منْ المعجزاتِ الباهرةِ {فتولى بِرُكْنِهِ} أيْ فأعرضَ عنِ الإيمانِ بهِ وازورّ كقولِه تعالَى: {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} وقيلَ فتولَّى بما يتقوَّى بهِ منْ مُلْكِه وَعساكِره فإنَّ الركنَ اسمٌ لمَا يركنُ إليهِ الشيءُ وَقرئ: {برُكُنِهِ} بضمِّ الكافِ {وَقَالَ ساحر} أيْ هُو ساحرٌ {أَوْ مَجْنُونٌ} كأنَّه نسبَ ما ظهرَ على يديهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ من الخوارقِ العجيبةِ إلى الجنِّ وترددَ في أنَّه حصل باختيارِه وسعيهِ أو بغيرِهما.

1 | 2 | 3 | 4